الثلاثاء، 4 مايو 2010

ياسمينة

لم يعرف تحديداً متى خفق قلبه لزهرة الياسمين..!







على أي حال هو لم يحدد لذلك توقيتاً ولم يكن يدري ان أمواج النهر ستجرفه في طريقها إلى حيث تشرق الشمس..






لاحظ ذلك الزملاء والأقارب وجميع من يعرفه واعتبروها هواية سرعان ما سيعبر فوق ذكراها..






إلا أن إلحاح زهور الياسمين التى انتشرت في شقته والفازا التى حملت بعضا منها على طاولة مكتبه..






كل ذلك أدي إلى قناعتهم الشديدة بأن عشقه لزهور الياسمين صار جرحاً مزمناً يتلذذ بوخزه ووجعه في قلبه كل حين..!






وفي جوف أوراق مكومة فوق طاولة مكتبه استقرت عشرات الرسمات التى نحتها بقلمه وفي أحشائها زهور ترقص واخرى تطير وطفل يلهو ويجري وقد أغلق أصابعه على طرف خيط طائرة ورقية رسم على جناحيها الحروف الأولي للياسمين..






كان معتاداً على الطلب من سائقي التاكسي اغلاق صوت الراديو..إلا أنه استمع إلى أغنية لأم كلثوم أدهشه أن الشاعر كتب لأجله خصيصاً كلماتها..حاول أن يحتفظ ببعض الكلمات إلا ان المعني وحده هو الذى تسلل إلى قلبه..قطع الطريق من ناصية الشارع إلى بوابة الشركة وهو يدندن:" تايهين ما احناش حاسين العمر ثواني والا سنين...".






وفي الطابق الثالث من الشركة التى كان يداوم العمل بها وبالتحديد في الحائط المقابل لدرجات السلم كانت توضع ملصقات هامة للمناسبات التى تمر على الزملاء في العمل..ثمة تهنئة أو تبريك أو واجب عزاء في زميل صدمه قطار الموت وأنهى تعاقده مع الحياة على حين غفلة..






لم يكن يكترث في التطلع لهذه المناسبات إلا في حال وجد الملصق مكللاً بخط أسود من جهة اليسار..حينها كان يدقق في الإسم جيداً ويذهب للعزاء روتينياً كما هو معتاد..إلا انه ومنذ أن تعرف عليها وقد تبدلت أحواله حتى انه لم يعد يكترث بمن أطاح قطار الموت ومن كان عليه الدور هذه المرة..!






كل شئ تبدل في حياته للأفضل..صار دولاب ملابسه أكثر ترتيباً..وأحذيته التئم شملها بعد ان فرقتها فوضويته في أرجاء الشقة..وفقد شهيته للسجائر وأصبح يشمئز من وجودها داخل جيبه..وصارت اختياراته تتجه تلقائياً إلى اللون الفاتح بنكهة الصيف وانزوت ألوان الشتاء من حياته..






بدأ يهتم بتلك الملصقات الوردية التى يوحي منظرها بخطوبة زميلة أو زفاف زميل..بل واعتاد ان يكتب شيئاً مرحاً بقلمه على هامش الملصق..وفي بعض الاحيان كان يكتفي برسم بسيط لزهرة الياسمين ويضع قلباً بجانبها ويغرس السهم المعتاد في احشاء القلب ويوجه رأسه نحو الزهرة التى كتم عن الجميع سرها..






غابت هى عن العمل شهراً بكامله..بعد ان تمت خطبتها على عجل وزفافها في نفس الشهر نظراً لظروف العريس الذى يعمل في احد مواقع شركات البترول البعيدة..وحينما عادت دارت على مكاتب الزملاء لتوزع الشيكولاتة وتتلقى التهاني ..لفت نظرها أن طاولة مكتبه فارغة تماماً من الورق الذى اعتاد ان يكومه بعد كل شرود انتهي برسم جميل لزهرة الياسمين المفضلة لديها..!






حين همت بالإنصراف لفت نظرها ملصق شديد الغرابة استقر على حائط المناسبات..إقتربت أكثر ودققت النظر بعد أن وجدت الورقة تتشح بالخط الأسود..بدأ اللغز يتضح لها شيئاً فشيئاً وهي تري أوراق زهرة الياسمين وقد تهدلت في حزن واضح وكأنها تودع الحياة..وفي الأسفل كتب تحت الرسم يقول:" أشكر جميع زملائي في الشركة على الأخوة والاحترام المتبادل..لن أنساكم وانا هناك في فرع الشركة البعيد..بالتوفيق"..!